هام هام جدا بالنسبة لأساتذة الجذع المشترك الادبي
صفحة 1 من اصل 1
هام هام جدا بالنسبة لأساتذة الجذع المشترك الادبي
روافد: مع المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد
>المحاور الكافر بالأنظمة الشمولية
الإنسان أخطر العوالم الغامضة
>فلسفة الوسط لدى برشيد
الانحياز إلى الصعلكة المعرفية
>برشيد وابن الرومي مَنْ نَحَسَ مَنْ؟
اضغط هنا لترى الصورة بحجمها الطبيعى
اسم البرنامج: روافد ، مقدم البرنامج :أحمد علي الزين، تاريخ الحلقة: الجمعة 1/10/2004
كل ما في الدنيا يقوم على أساس الحوار, فالليل يحاور النهار, والفصول تحاور بعضها بعضاً, والأرض تحاور السماء, والحياة تحاور الموت, والسواد يحاور البياض, وهذا ما أكَّد عليه هيغل من الجدلية
ضيف الحلقة:
مع المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد
أحمد علي الزين: كما هي العادة دائماً في الأمكنة التي تكتشفها من جديد لكأنك تكتشف ملمحاً من ملامحك, وتعثر على شيء من ذاكرتك, وقد تجد ذلك في حيٍّ قديمٍ من مدينة, أو تسمعه في صوتٍ حميمٍ أو في وجهٍ أليفٍ, أو في مرآةٍ للعابرين, وأحياناً تظنّ أن بينك وبين تلك المطارح ودّاً, وأنك مشتاقٌ إليها بعد طول فراق, فعدت لتتفقدها بروحٍ شغوفةٍ مشتاقةٍ, تتأمّل في الأشياء في انحناءات القباب والقناطر وفي الأجساد المنهمكة وبحركات الناس, لكأنك تتذكر أزمنة غابرة يستريح أهلها في أطيافهم, أو أن الأمر مغايرٌ تماماً ويحلو لك هذا الوصف, أو يحلو لك التعدد في الحياة لغاية المقارنة بين مشهد الأمس ومشهد اليوم, الذي تعبره زائراً أو مقيماً هنا أو هناك, وتكتشف فيما بعد أن ذلك ضربٌ من ضروب الوهم الجميل والأحلام, أنت.. أنت.. أنت الآن وهنا لغاية التعرف على هذا الرجل الذي تواطأ مع مراياه ووجوهه لالتقاط مشهد في مدينة اسمها الدار البيضاء, وفي أحيائها القديمة حيث التاريخ دائماً يشعرك بشيء من معنى عبورك ويسعف ضعفك الإنساني, هنا لكسر المرايا كي تتعدد الوجوه مثلاً, فعبد الكريم برشيد على دراية بالمشهد وما يتطلبه الفعل من توليفٍ للنص, وهو المشهدي العارف بأن الصورة مضللة في أغلب الأحيان, وبأن المرآة تُجامل وتحابي والحقيقة عارية وصارخة, وقد تكون اللعبة تشبه لعبته في كسر الإيهام ونزع القناع للبوح، لذلك يمكن القول أن عبد الكريم برشيد هو الآن في هذا الحي القديم من الدار البيضاء ليس صدفة, بل لتخطيط مسبَق من أجل لعبة المكاشَفة, ومن أجل التعرف على مطارحه, فمثلما فعل مرة في مسرحه وجعل ابن الرومي على الخشبة على بعد ألف سنة من زمانه, من الممكن أن تجعله على مسرح الواقع في الحياة في شهر آب مثلاً من عام 2004 قرب بائعي التحف أو في مكتبة يبحث عن فكرةٍ في كتاب, وقد يسهل عليك هذا التواطؤ الجميل أن يستقبلك في دارته ويعرفك على أهله وعلى أحفاده, ويعرفك أيضاً على تجربته.أحمد علي الزين: أستاذ عبد الكريم أنت أتيت إلى الحوار، وفي بيئة معروف عنها يعني في عالمنا العربي والإسلامي هي بيئة أحادية الصوت, يعني من أين أتت تلك الرغبة في الحوار في المسرح؟
المحاور الكافر بالأنظمة الشمولية
الإنسان غاباتٌ كثيفةٌ وغريبةٌ به جذور فيها أرخبيل معقدٌ جداً، وبالتالي فالإنسان في ذاته يختزل الإنسانية
المسرحي عبد الكريم برشيد: في الواقع معروف أن الإنسان كائن محاوِر, وكل ما في.. ما في كل الدنيا يقوم على أساس الحوار, فالليل يحاور النهار, والفصول تحاور بعضها بعضاً, والأرض تحاور السماء, والحياة تحاور الموت, والسواد يحاور البياض, وبالتالي ما أكَّد عليه هيغل من الجدلية, أو بعد ذلك ماركس من الجدلية المادية فعندما نفتقد الحوار نفتقد الحياة, بمعنى عندما أقول كلاماً وهذا الكلام يكون له فقط صدىً ولا يكون له صوتٌ آخر مخالفٌ مغايرٌ مكمّلٌ, وبالتالي آمنت بالحوار وكفَرت بكل الأنظمة الشمولية الفاشيّة والنازيّة المنغلقة على ذاتها والتي لا تعطي للإنسان حق الاختلاف, بل ربما أجمل الحقوق هو الحق في أن أكون أنا مختلفاً, لأن الله والطبيعة صنعتني مختلفاً إضافة بشرية، إضافة وجودية, لست ظلاً لأحد..أحمد علي الزين: ولست صدىً لصوت..المسرحي عبد الكريم برشيد: ولست صدىً لأحد، ولا أريد أن يكون الآخر صدىً لصوتي..أحمد علي الزين: صدىً لصوتك.أحمد علي الزين: تذكر أنه في تكويناتك الأولى يعني كنت تأثرت بالفكر الصوفي, ولكنك لم تسلك تلك الدرب إلى التوحد وإلى التماثل للآخرين، ذهبت إلى التعدد، إلى المسرح، إلى تأليف الشخصيات والوجوه والأقنعة يعني ما الأمر الذي دفعك إلى هذا الاختلاف؟المسرحي عبد الكريم برشيد: أول ما فتحت عيني الوالد كان درقاوياً بمعنى كان صوفياً منخرطاً في طائفة، وكانت يوم الجمعة يُعقد لنا في البيت حضرة صوفية كانت تقيمها زوجة الوالد لأنها كانت بنت شيخ زاوية.. الزاوية الدرقاويّة، وهناك زاوية في مدينة أبركان، كانت ولا تزال الآن عاصمة للزوايا الصوفيّة, ومن أخطر الأشياء أن مدينة.. هذه المدينة التي تعيش الخمرة الوجودية حوّلها المستعمرون الفرنسيون إلى مزارع كبيرة للكروم ووضعوا فيها مجموعة من مصانع الخمرة, وكانت منها تُصدَّر إلى فرنسا, فمن جانب هناك هذه الخمرة الروحية الصوفية، وفي الجانب الآخر هنا الخمرة المادية, وكان لي وما يزال هذا الإحساس بالرغبة في التعدد.. في أن أكون أنا وأن أجد لهذه الذات مضاعفها، وهذا المضاعِف صنعته المئات أولاً, صنعه الظل وكنت أجري وأرى ظلاً يجري خلفي ومرات يسبقني, وكان لي حوارٌ مع هذا الظل, كان لي حوارٌ مع الآخر الذي يسكن المرآة, وهذه كلها أشياء جعلتني أحاول أن أتعدد, ورأيت أن المسرح هو فنّ التعدد. أحمد علي الزين: في البدء فتحت عينيّ على سقف وكان ذلك سقف بيتنا بمدينة أبركان, لم يكن يهمني السقف في حد ذاته وكان كل ما يشغلني ويعنيني هو أن أنظر إلى فوق, والأعلى هو الأصل دائماً, وكانت تلك الرؤية فاتحة ومدخل لاكتشاف أكبر وأخطر, لقد تجاوزت سقف البيت إلى سقف الكون كله, وسألت عن تلك القبة الزرقاء المرصعة بالنجوم والأقمار ليلاً فقالوا هي السماء, وتمنيت لو أن تلك السماء القريبة البعيدة تكون امرأة ويكون اسمها لونجا, وتكون لها ضفيرة بطول الخيال المجنون وأناديها بأعلى صوتي وأقول: لونجا لونجا مدي لي سالفك نطلع, وانتبهت يوماً في خيبة بريئة أن هذه السماء عالية جداً، وأنها أطول قامة من كل عمالقة العالم, وتمنيت بيني وبين نفسي لو أنها كانت أقل ارتفاعاً مما هي عليه, وذلك حتى يسهل علي الصعود إليها تماماً كما أصعد إلى سطح بيتنا, ويكون بإمكاني أن أطلّ منه ومنها أيضاً على كل ما يجري في المدن الأخرى وفي العوالم الأخرى.أحمد علي الزين: بتقديرك لماذا الكاتب يعني يجد دائماً في داخله المساحات والمسافات يعني الأكثر رحابة للتعبير والبوح؟
الإنسان أخطر العوالم الغامضة
المسرحي عبد الكريم برشيد: ربما أخطر الأكوان وأخطر العوالم التي لم تُكتشف لحدّ الآن هو الإنسان, الإنسان غاباتٌ كثيفةٌ وغريبةٌ فيه جذور فيها أرخبيل معقدٌ جداً، وبالتالي فالإنسان في ذاته يختزل الإنسانية, الواحد يختزل الكل والمسرح أساساً هو فن الاختزال، لذلك فتعلمت من الصوفيّة أن الإنسان عندما يبحث في ذاته يجد الآخرين.أحمد علي الزين: يسمونك في المغرب أنك أنت من مؤسسي أو مؤسس المسرح المغربي, أنت ماذا تسمّي نفسك؟المسرحي عبد الكريم برشيد: شخصياً أؤمن بمسرح أسمّيه المسرح الاحتفالي, أؤمن بأنني احتفالي الرؤية, عيدي الرؤية أنني لا أؤمن بالثنائيات الخير والشر, لست أخلاقياً, لا أؤمن بالصواب والخطأ لأنني لست مدرسياً, لا أقول الأشياء تحمل أسماءها في ذاتها, فدائماً أردد كلمة "قل كلمتك وامش" فليس من مهامي أن أؤرخ لتجربتي, المهم أن أصنع هذه التجربة, الأسماء ولعبة الأسماء هي لعبة النقد المدرسي والمؤرخين وذلك ليس شغلي.أحمد علي الزين: نعم تروي في سياق غابة الإشارات أنك كُرِّمت في كل البلاد ولكن لم تُكرَّم في وطنك, وربما بعد حين هناك مهرجان المسرح الجامعي في كزابلانكا وهو يحمل اسمك، هذا نوع من التكريم تعتبره؟المسرحي عبد الكريم برشيد: لأ هو عندما أشرت على هذه القضية قضية التكريم في كل العالم العربي فكنت أقصد الجانب الرسمي وليس الشعبي, فأنا تستدعيني كل وزارات الثقافة العربية بما فيها وزارة الثقافة في فلسطين, أما في المغرب فلا, فلا هي طبعت لي مسرحية, ولا ذهبت يوماً في بعثة باسم وزارة الثقافة ولا أية وزارة, ولكن الشعب..أحمد علي الزين: لماذا يعني أن هناك غياباً للاهتمام بك يعني؟ هل أنت مشاكس إلى هذا الحد؟
فلسفة الوسط لدى برشيد
المسرحي عبد الكريم برشيد: في الواقع هذه ضريبة الاختلاف, أن تكون أنت هو أنت، أن لا تكون تابعاً، أن لا تكون صدىً, أن لا تكون ظلاً, أن لا تكون زبوناً لدكان حزبي أو دكان سياسي, وأن تحاول أن تؤسس لك منظومة فكرية، وأن تكون لا يمين ولا يسار, وأن كل أولاد عبد الواحد واحد, وأن الأصل ليس هو الجهات، ولكن الأصل هو الوسط, لأن الوسط ليس جهة, ولكنه هو ملتقى الجهات ومفترق الجهات, أنا موجود في الوسط, والقلب موجود في الوسط، والله موجود في الوسط.أحمد علي الزين: بتقديرك هل الوسط دائماً هوّ صائب يعني في آرائه, في رؤيته للأشياء؟المسرحي عبد الكريم برشيد: في رأيي ليس صائباً ولكن هو الملتقى, هو الملتقى, ملتقى رأيك ورأيي عندما يلتقيان عند نقطة معينة يكون هو الحقيقة.أحمد علي الزين: ولكن كيف تفسر تمردك في المسرح, والمشاكَسة في نصّك مع خيارك الوسطي أن تكون في الوسط، إذا نوعٌ من التصارح في الجهات والأطراف؟المسرحي عبد الكريم برشيد: لأ أبداً هذه الوسطية تعني أولاً.. تعني محاولة استقطاب كل الجهات وقبل استقطابها هو نقدها, بمعنى هي كلها خاطئة وأدعوها إلى الحوار.
الانحياز إلى الصعلكة المعرفية
كتبت عن المتنبي التي وجد نفسه كصالح في ثمود، ولم يُفهم وحورب, فكتبت كذلك عن فوست الذي باع نفسه للشيطان, ورأيت أن هذا العصر هو عصر الإغراءات, وأن السعيد هو الذي يستطيع أن يقاوم هذه الإغراءات</
أحمد علي الزين: تقول أيضاً: إنني أحب غربتي ونفيي. وأعشق ضلالي وتيهي. وأنحاز إلى الصعلكة وتشردي.يعني هذا من جهة, ومن جهة أخرى يعني نستشف أنك في الوسط، يعني مع الإصلاح، مع الحوار, واقعي لماذا هذا الانحياز أحياناً نحو الصعلكة والتشرد؟المسرحي عبد الكريم برشيد: ليست الصعلكة بالمفهوم الأخلاقي لأني شخصياً لا أؤمن بالأحكام الأخلاقية, الصعلكة بالمفهوم الأدبي، بالمفهوم الفني, بالمفهوم الجمالي, بمعنى السير في الطرقات التي تحفرها أنت, وتبنيها أنت, لا أمشي في الطرق السيارة وأردد ما يقوله الآخرون, وبالتالي فهذا الشغب هو شغبٌ معرفي, أؤمن..أحمد علي الزين: والصعلكة صعلكة معرفية.المسرحي عبد الكريم برشيد: صعلكة معرفية في الواقع، حتى الجنون، في مسرحيتي "ليالي المتنبي" ليس فيها تاريخ, ولكن فيها المتنبي مصاب بالحمى تأتيه امرأة هي الحمى عاشقةٌ له تقضي ليلها في فراشه, تتركه يتصبب عرقاً وتقول له ما شعرك إلا مني.أحمد علي الزين: اللي بيقول فيها: وزائرتي كأن بها..المسرحي عبد الكريم برشيد: كأن بها فليس تزور إلا في الظلام, ففي الواقع..أحمد علي الزين: على سيرة المتنبي أستاذ عبد الكريم دائماً نعثر في أعمالك المسرحية على استحضار شخصيات تاريخية ولها بعد ثقافي ومعرفي وحضاري, المتنبي مثلاً، ابن الرومي حيناً, امرؤ القيس حيناً آخر, فوست ربما وآخرين كثر, يعني لماذا تلجأ دائماً إلى استحضار شخصيات تاريخية ووضعها على خشبة المسرح في حوار مع شخصيات واقعية؟المسرحي عبد الكريم برشيد: لا ألجأ دائماً إلاّ إلى الشخصيات الهامشية المتصعلكة المتشردة, كتبت عن المتنبي التي وجد نفسه كصالح في ثمود، ولم يُفهم وحورب, فكتبت كذلك عن فوست, فوست الذي باع نفسه للشيطان, ورأيت أن هذا العصر هو عصر الإغراءات, وأن السعيد السعيد هو الذي يستطيع أن يقاوم هذه الإغراءات, وما قيمة أن يبيع الإنسان نفسه كما قال المسيح: ما قيمة أن يربح الإنسان كل العالم ويخسر نفسه, ففوست ربح العالم وخسر نفسه.أحمد علي الزين: إنني أكتب لأكون وأكون لأكتب، لأن بياض الأوراق يخيفني ويتحداني, وهو يذكّرني بالشيب وبالثلج وبالأكفان, كتاباتي خطوات عندما أسمع وقعها أطمئن إلى وجودي, وأعرف بأنني أمشي وأسير, لا يهم إلى أين, الأساس هو ألا أظل واقفاً في مكان واحد, وأن أكون سجين وضع واحد, وأن أعيش شبه حياة داخل حالة واحدة ثابتة أو متكررة, في هذه الكتابات لا أريد أن أمرر أفكاراً لأن الأساس عندي هو أن أحيا أفكاري, وأن ألبسها جلداً آخر, وأن أعيش فكري وأن أفكر في عيشي, وأن أكون ذاتاً وموضوعاً وسائلاً ومسؤولاً وحزمة لا متناهية من الأسئلة.أحمد علي الزين: سؤال آخر في السياق نفسه يعني شروط الإبداع بشكل عام هي الحرية شرط أساسي للإبداع..المسرحي عبد الكريم برشيد: تماماً..أحمد علي الزين: وبخاصة بالنسبة للمسرح ربما تكون ملحاحة أكثر باعتبار المسرح هو شكل مواجهة مباشرة مع الناس والجمهور, يعني هل كانت الحرية دائماً متوفرة بالشكل أو بالمقدار الكافية عندك للبوح لقول كل شيء؟المسرحي عبد الكريم برشيد: نعم ربما أخطر رقابة ليست هي الرقابة التي يمارسها الآخر.أحمد علي الزين: الرقابة التي تمارسها على نفسك..المسرحي عبد الكريم برشيد: تماماً هي الرقابة الذاتية هي الخطيرة جداً.أحمد علي الزين: وهذه موروثة.المسرحي عبد الكريم برشيد: تماماً, فأنا والحمد لله كتبت وقلت ما شئت, وآمنت بأن من مهمة الآخر أن يتولى أمره, أنا علي أن أكتب فأنا شاهد وأشاهد وأدوّن مشاهداتي, وهذه المشاهدات ينبغي أن تكون صادقة, وأجمل ما في الإبداع هو.. وأخطر ما في الإبداع هو الصدق, والمسرح هو مواجهة تواجه الناس..أحمد علي الزين: مكاشفة..المسرحي عبد الكريم برشيد: ومكاشفة, فيمكن أن تختبئ وراء أوراق وأن تقول للناس ما تشاء, ولكن أن تواجههم وأن تكذب عليهم, وهم شهود هذا الواقع..أحمد علي الزين: هذا مستحيل..المسرحي عبد الكريم برشيد: فهذا مستحيل في الواقع.أحمد علي الزين: وهل تضررت يعني من البوح من كتابة كل شيء؟
برشيد وابن الرومي مَنْ نَحَسَ مَنْ؟
المسرحي عبد الكريم برشيد: كثيراً كان هناك مسرحية ابن الرومي في "مدن الصفيح"..أحمد علي الزين: سجنت..المسرحي عبد الكريم برشيد: لأ أوقفت..أحمد علي الزين: أوقفت المسرحية..المسرحي عبد الكريم برشيد: وأُخرج الجمهور, وقدمنا المسرحية بدون جمهور سنة 1979, وكُتبت في جريدة العلم بعد يومين (ابن الرومي يُعتقل في الخميسات) فالمسرحية كذلك كان هناك مهرجان سينعقد في مدينة سلا, فالمحافظ ألغى المهرجان بسبب المسرحية, فقال كيف تُرفض في مدينة الخميسات وأقبلها في مدينتي؟ لدرجة أنني آمنت حقاً كأن ابن الرومي شخصية منحوسة..أحمد علي الزين: يعني حتى بعد ألف سنة أو أكثر..المسرحي عبد الكريم برشيد: حتى بعد ألف سنة تماماً, وعندما طُبعت ونُشرت في مجلة الآداب البيروتية سنة 1979 وهي تتحدث عن بغداد التقيت بالدكتور سهيل إدريس في مهرجان الشباب العربي في الرباط, فقال لي مسرحيتك سبَّبت لنا مشاكل مع الرقابة العراقية، فالآن أقولها بصدق الآن مع التغيير ومع التجديد ومع الذين رفعوا شعارات الحرية والديمقراطية, الآن وأعيش كبتاً وإقصاءً وإبعاداً وعقاباً لأنني أمارس حقي في أن أكتب عن الحقيقة التي أحياها.أحمد علي الزين: علماً بأنه كان إلك يعني مواقع إدارية في وزارة الثقافة يعني كنت مندوباً للوزارة في أكثر من بلد وفي أكثر من وقت..المسرحي عبد الكريم برشيد: تماماً..أحمد علي الزين: يعني لماذا هذا العقاب إنه يعني تُكافأ كمدير ناحية وتمنع من العرض؟المسرحي عبد الكريم برشيد: هذا كعمل إداري وأنا دائماً كنت أميّز بين أنا..أحمد علي الزين: الإدارية..المسرحي عبد الكريم برشيد: الموظف أؤدي عملاً، وبين آرائي.أحمد علي الزين: هل أضافت إليك تلك التجربة شيئاً يعني العمل الإداري؟ أم خسّرك؟المسرحي عبد الكريم برشيد: لم تضف إليّ شيئاً فأنا الوحيد، أقولها الوحيد من مندوبي وزارة الثقافة الذي لم يكن له بيت إداري، لم تكن له سيارة تابعة فـ..أحمد علي الزين: هذه رغبتك؟ أم يعني نوعاً من الحرمان؟المسرحي عبد الكريم برشيد: نوع من الحرمان، وكانت في نفس الوقت رغبة حتى لا أضطر في أي وقت ليقولوا لي هات مفاتيح السيارة وهات البيت وتفضل من غير مطرود.أحمد علي الزين: لقد بحثت عن اللغة الفردوسية فوجدت أن جان جاك روسو قد سبقني إلى ذلك، تماماً كما سبقني إلى الاحتفالية وإلى العيدية المسرحية، لقد بحث عن لغة بدون خطاب، كلام بدون جملة، بدون تركيب، بدون أجزاء، بدون قواعد نحوية، لغة ذات تدفق خالص، وعن هذا التدفق الخالص عشت حياتي أبحث، لقد آمنت بأن أصدق الكلمات والعبارات هي التي تتدفق من الوجدان، وهي التي تكون فيضاً نفسياً وذهنياً وروحياً.
>المحاور الكافر بالأنظمة الشمولية
الإنسان أخطر العوالم الغامضة
>فلسفة الوسط لدى برشيد
الانحياز إلى الصعلكة المعرفية
>برشيد وابن الرومي مَنْ نَحَسَ مَنْ؟
اضغط هنا لترى الصورة بحجمها الطبيعى
اسم البرنامج: روافد ، مقدم البرنامج :أحمد علي الزين، تاريخ الحلقة: الجمعة 1/10/2004
كل ما في الدنيا يقوم على أساس الحوار, فالليل يحاور النهار, والفصول تحاور بعضها بعضاً, والأرض تحاور السماء, والحياة تحاور الموت, والسواد يحاور البياض, وهذا ما أكَّد عليه هيغل من الجدلية
ضيف الحلقة:
مع المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد
أحمد علي الزين: كما هي العادة دائماً في الأمكنة التي تكتشفها من جديد لكأنك تكتشف ملمحاً من ملامحك, وتعثر على شيء من ذاكرتك, وقد تجد ذلك في حيٍّ قديمٍ من مدينة, أو تسمعه في صوتٍ حميمٍ أو في وجهٍ أليفٍ, أو في مرآةٍ للعابرين, وأحياناً تظنّ أن بينك وبين تلك المطارح ودّاً, وأنك مشتاقٌ إليها بعد طول فراق, فعدت لتتفقدها بروحٍ شغوفةٍ مشتاقةٍ, تتأمّل في الأشياء في انحناءات القباب والقناطر وفي الأجساد المنهمكة وبحركات الناس, لكأنك تتذكر أزمنة غابرة يستريح أهلها في أطيافهم, أو أن الأمر مغايرٌ تماماً ويحلو لك هذا الوصف, أو يحلو لك التعدد في الحياة لغاية المقارنة بين مشهد الأمس ومشهد اليوم, الذي تعبره زائراً أو مقيماً هنا أو هناك, وتكتشف فيما بعد أن ذلك ضربٌ من ضروب الوهم الجميل والأحلام, أنت.. أنت.. أنت الآن وهنا لغاية التعرف على هذا الرجل الذي تواطأ مع مراياه ووجوهه لالتقاط مشهد في مدينة اسمها الدار البيضاء, وفي أحيائها القديمة حيث التاريخ دائماً يشعرك بشيء من معنى عبورك ويسعف ضعفك الإنساني, هنا لكسر المرايا كي تتعدد الوجوه مثلاً, فعبد الكريم برشيد على دراية بالمشهد وما يتطلبه الفعل من توليفٍ للنص, وهو المشهدي العارف بأن الصورة مضللة في أغلب الأحيان, وبأن المرآة تُجامل وتحابي والحقيقة عارية وصارخة, وقد تكون اللعبة تشبه لعبته في كسر الإيهام ونزع القناع للبوح، لذلك يمكن القول أن عبد الكريم برشيد هو الآن في هذا الحي القديم من الدار البيضاء ليس صدفة, بل لتخطيط مسبَق من أجل لعبة المكاشَفة, ومن أجل التعرف على مطارحه, فمثلما فعل مرة في مسرحه وجعل ابن الرومي على الخشبة على بعد ألف سنة من زمانه, من الممكن أن تجعله على مسرح الواقع في الحياة في شهر آب مثلاً من عام 2004 قرب بائعي التحف أو في مكتبة يبحث عن فكرةٍ في كتاب, وقد يسهل عليك هذا التواطؤ الجميل أن يستقبلك في دارته ويعرفك على أهله وعلى أحفاده, ويعرفك أيضاً على تجربته.أحمد علي الزين: أستاذ عبد الكريم أنت أتيت إلى الحوار، وفي بيئة معروف عنها يعني في عالمنا العربي والإسلامي هي بيئة أحادية الصوت, يعني من أين أتت تلك الرغبة في الحوار في المسرح؟
المحاور الكافر بالأنظمة الشمولية
الإنسان غاباتٌ كثيفةٌ وغريبةٌ به جذور فيها أرخبيل معقدٌ جداً، وبالتالي فالإنسان في ذاته يختزل الإنسانية
المسرحي عبد الكريم برشيد: في الواقع معروف أن الإنسان كائن محاوِر, وكل ما في.. ما في كل الدنيا يقوم على أساس الحوار, فالليل يحاور النهار, والفصول تحاور بعضها بعضاً, والأرض تحاور السماء, والحياة تحاور الموت, والسواد يحاور البياض, وبالتالي ما أكَّد عليه هيغل من الجدلية, أو بعد ذلك ماركس من الجدلية المادية فعندما نفتقد الحوار نفتقد الحياة, بمعنى عندما أقول كلاماً وهذا الكلام يكون له فقط صدىً ولا يكون له صوتٌ آخر مخالفٌ مغايرٌ مكمّلٌ, وبالتالي آمنت بالحوار وكفَرت بكل الأنظمة الشمولية الفاشيّة والنازيّة المنغلقة على ذاتها والتي لا تعطي للإنسان حق الاختلاف, بل ربما أجمل الحقوق هو الحق في أن أكون أنا مختلفاً, لأن الله والطبيعة صنعتني مختلفاً إضافة بشرية، إضافة وجودية, لست ظلاً لأحد..أحمد علي الزين: ولست صدىً لصوت..المسرحي عبد الكريم برشيد: ولست صدىً لأحد، ولا أريد أن يكون الآخر صدىً لصوتي..أحمد علي الزين: صدىً لصوتك.أحمد علي الزين: تذكر أنه في تكويناتك الأولى يعني كنت تأثرت بالفكر الصوفي, ولكنك لم تسلك تلك الدرب إلى التوحد وإلى التماثل للآخرين، ذهبت إلى التعدد، إلى المسرح، إلى تأليف الشخصيات والوجوه والأقنعة يعني ما الأمر الذي دفعك إلى هذا الاختلاف؟المسرحي عبد الكريم برشيد: أول ما فتحت عيني الوالد كان درقاوياً بمعنى كان صوفياً منخرطاً في طائفة، وكانت يوم الجمعة يُعقد لنا في البيت حضرة صوفية كانت تقيمها زوجة الوالد لأنها كانت بنت شيخ زاوية.. الزاوية الدرقاويّة، وهناك زاوية في مدينة أبركان، كانت ولا تزال الآن عاصمة للزوايا الصوفيّة, ومن أخطر الأشياء أن مدينة.. هذه المدينة التي تعيش الخمرة الوجودية حوّلها المستعمرون الفرنسيون إلى مزارع كبيرة للكروم ووضعوا فيها مجموعة من مصانع الخمرة, وكانت منها تُصدَّر إلى فرنسا, فمن جانب هناك هذه الخمرة الروحية الصوفية، وفي الجانب الآخر هنا الخمرة المادية, وكان لي وما يزال هذا الإحساس بالرغبة في التعدد.. في أن أكون أنا وأن أجد لهذه الذات مضاعفها، وهذا المضاعِف صنعته المئات أولاً, صنعه الظل وكنت أجري وأرى ظلاً يجري خلفي ومرات يسبقني, وكان لي حوارٌ مع هذا الظل, كان لي حوارٌ مع الآخر الذي يسكن المرآة, وهذه كلها أشياء جعلتني أحاول أن أتعدد, ورأيت أن المسرح هو فنّ التعدد. أحمد علي الزين: في البدء فتحت عينيّ على سقف وكان ذلك سقف بيتنا بمدينة أبركان, لم يكن يهمني السقف في حد ذاته وكان كل ما يشغلني ويعنيني هو أن أنظر إلى فوق, والأعلى هو الأصل دائماً, وكانت تلك الرؤية فاتحة ومدخل لاكتشاف أكبر وأخطر, لقد تجاوزت سقف البيت إلى سقف الكون كله, وسألت عن تلك القبة الزرقاء المرصعة بالنجوم والأقمار ليلاً فقالوا هي السماء, وتمنيت لو أن تلك السماء القريبة البعيدة تكون امرأة ويكون اسمها لونجا, وتكون لها ضفيرة بطول الخيال المجنون وأناديها بأعلى صوتي وأقول: لونجا لونجا مدي لي سالفك نطلع, وانتبهت يوماً في خيبة بريئة أن هذه السماء عالية جداً، وأنها أطول قامة من كل عمالقة العالم, وتمنيت بيني وبين نفسي لو أنها كانت أقل ارتفاعاً مما هي عليه, وذلك حتى يسهل علي الصعود إليها تماماً كما أصعد إلى سطح بيتنا, ويكون بإمكاني أن أطلّ منه ومنها أيضاً على كل ما يجري في المدن الأخرى وفي العوالم الأخرى.أحمد علي الزين: بتقديرك لماذا الكاتب يعني يجد دائماً في داخله المساحات والمسافات يعني الأكثر رحابة للتعبير والبوح؟
الإنسان أخطر العوالم الغامضة
المسرحي عبد الكريم برشيد: ربما أخطر الأكوان وأخطر العوالم التي لم تُكتشف لحدّ الآن هو الإنسان, الإنسان غاباتٌ كثيفةٌ وغريبةٌ فيه جذور فيها أرخبيل معقدٌ جداً، وبالتالي فالإنسان في ذاته يختزل الإنسانية, الواحد يختزل الكل والمسرح أساساً هو فن الاختزال، لذلك فتعلمت من الصوفيّة أن الإنسان عندما يبحث في ذاته يجد الآخرين.أحمد علي الزين: يسمونك في المغرب أنك أنت من مؤسسي أو مؤسس المسرح المغربي, أنت ماذا تسمّي نفسك؟المسرحي عبد الكريم برشيد: شخصياً أؤمن بمسرح أسمّيه المسرح الاحتفالي, أؤمن بأنني احتفالي الرؤية, عيدي الرؤية أنني لا أؤمن بالثنائيات الخير والشر, لست أخلاقياً, لا أؤمن بالصواب والخطأ لأنني لست مدرسياً, لا أقول الأشياء تحمل أسماءها في ذاتها, فدائماً أردد كلمة "قل كلمتك وامش" فليس من مهامي أن أؤرخ لتجربتي, المهم أن أصنع هذه التجربة, الأسماء ولعبة الأسماء هي لعبة النقد المدرسي والمؤرخين وذلك ليس شغلي.أحمد علي الزين: نعم تروي في سياق غابة الإشارات أنك كُرِّمت في كل البلاد ولكن لم تُكرَّم في وطنك, وربما بعد حين هناك مهرجان المسرح الجامعي في كزابلانكا وهو يحمل اسمك، هذا نوع من التكريم تعتبره؟المسرحي عبد الكريم برشيد: لأ هو عندما أشرت على هذه القضية قضية التكريم في كل العالم العربي فكنت أقصد الجانب الرسمي وليس الشعبي, فأنا تستدعيني كل وزارات الثقافة العربية بما فيها وزارة الثقافة في فلسطين, أما في المغرب فلا, فلا هي طبعت لي مسرحية, ولا ذهبت يوماً في بعثة باسم وزارة الثقافة ولا أية وزارة, ولكن الشعب..أحمد علي الزين: لماذا يعني أن هناك غياباً للاهتمام بك يعني؟ هل أنت مشاكس إلى هذا الحد؟
فلسفة الوسط لدى برشيد
المسرحي عبد الكريم برشيد: في الواقع هذه ضريبة الاختلاف, أن تكون أنت هو أنت، أن لا تكون تابعاً، أن لا تكون صدىً, أن لا تكون ظلاً, أن لا تكون زبوناً لدكان حزبي أو دكان سياسي, وأن تحاول أن تؤسس لك منظومة فكرية، وأن تكون لا يمين ولا يسار, وأن كل أولاد عبد الواحد واحد, وأن الأصل ليس هو الجهات، ولكن الأصل هو الوسط, لأن الوسط ليس جهة, ولكنه هو ملتقى الجهات ومفترق الجهات, أنا موجود في الوسط, والقلب موجود في الوسط، والله موجود في الوسط.أحمد علي الزين: بتقديرك هل الوسط دائماً هوّ صائب يعني في آرائه, في رؤيته للأشياء؟المسرحي عبد الكريم برشيد: في رأيي ليس صائباً ولكن هو الملتقى, هو الملتقى, ملتقى رأيك ورأيي عندما يلتقيان عند نقطة معينة يكون هو الحقيقة.أحمد علي الزين: ولكن كيف تفسر تمردك في المسرح, والمشاكَسة في نصّك مع خيارك الوسطي أن تكون في الوسط، إذا نوعٌ من التصارح في الجهات والأطراف؟المسرحي عبد الكريم برشيد: لأ أبداً هذه الوسطية تعني أولاً.. تعني محاولة استقطاب كل الجهات وقبل استقطابها هو نقدها, بمعنى هي كلها خاطئة وأدعوها إلى الحوار.
الانحياز إلى الصعلكة المعرفية
كتبت عن المتنبي التي وجد نفسه كصالح في ثمود، ولم يُفهم وحورب, فكتبت كذلك عن فوست الذي باع نفسه للشيطان, ورأيت أن هذا العصر هو عصر الإغراءات, وأن السعيد هو الذي يستطيع أن يقاوم هذه الإغراءات</
أحمد علي الزين: تقول أيضاً: إنني أحب غربتي ونفيي. وأعشق ضلالي وتيهي. وأنحاز إلى الصعلكة وتشردي.يعني هذا من جهة, ومن جهة أخرى يعني نستشف أنك في الوسط، يعني مع الإصلاح، مع الحوار, واقعي لماذا هذا الانحياز أحياناً نحو الصعلكة والتشرد؟المسرحي عبد الكريم برشيد: ليست الصعلكة بالمفهوم الأخلاقي لأني شخصياً لا أؤمن بالأحكام الأخلاقية, الصعلكة بالمفهوم الأدبي، بالمفهوم الفني, بالمفهوم الجمالي, بمعنى السير في الطرقات التي تحفرها أنت, وتبنيها أنت, لا أمشي في الطرق السيارة وأردد ما يقوله الآخرون, وبالتالي فهذا الشغب هو شغبٌ معرفي, أؤمن..أحمد علي الزين: والصعلكة صعلكة معرفية.المسرحي عبد الكريم برشيد: صعلكة معرفية في الواقع، حتى الجنون، في مسرحيتي "ليالي المتنبي" ليس فيها تاريخ, ولكن فيها المتنبي مصاب بالحمى تأتيه امرأة هي الحمى عاشقةٌ له تقضي ليلها في فراشه, تتركه يتصبب عرقاً وتقول له ما شعرك إلا مني.أحمد علي الزين: اللي بيقول فيها: وزائرتي كأن بها..المسرحي عبد الكريم برشيد: كأن بها فليس تزور إلا في الظلام, ففي الواقع..أحمد علي الزين: على سيرة المتنبي أستاذ عبد الكريم دائماً نعثر في أعمالك المسرحية على استحضار شخصيات تاريخية ولها بعد ثقافي ومعرفي وحضاري, المتنبي مثلاً، ابن الرومي حيناً, امرؤ القيس حيناً آخر, فوست ربما وآخرين كثر, يعني لماذا تلجأ دائماً إلى استحضار شخصيات تاريخية ووضعها على خشبة المسرح في حوار مع شخصيات واقعية؟المسرحي عبد الكريم برشيد: لا ألجأ دائماً إلاّ إلى الشخصيات الهامشية المتصعلكة المتشردة, كتبت عن المتنبي التي وجد نفسه كصالح في ثمود، ولم يُفهم وحورب, فكتبت كذلك عن فوست, فوست الذي باع نفسه للشيطان, ورأيت أن هذا العصر هو عصر الإغراءات, وأن السعيد السعيد هو الذي يستطيع أن يقاوم هذه الإغراءات, وما قيمة أن يبيع الإنسان نفسه كما قال المسيح: ما قيمة أن يربح الإنسان كل العالم ويخسر نفسه, ففوست ربح العالم وخسر نفسه.أحمد علي الزين: إنني أكتب لأكون وأكون لأكتب، لأن بياض الأوراق يخيفني ويتحداني, وهو يذكّرني بالشيب وبالثلج وبالأكفان, كتاباتي خطوات عندما أسمع وقعها أطمئن إلى وجودي, وأعرف بأنني أمشي وأسير, لا يهم إلى أين, الأساس هو ألا أظل واقفاً في مكان واحد, وأن أكون سجين وضع واحد, وأن أعيش شبه حياة داخل حالة واحدة ثابتة أو متكررة, في هذه الكتابات لا أريد أن أمرر أفكاراً لأن الأساس عندي هو أن أحيا أفكاري, وأن ألبسها جلداً آخر, وأن أعيش فكري وأن أفكر في عيشي, وأن أكون ذاتاً وموضوعاً وسائلاً ومسؤولاً وحزمة لا متناهية من الأسئلة.أحمد علي الزين: سؤال آخر في السياق نفسه يعني شروط الإبداع بشكل عام هي الحرية شرط أساسي للإبداع..المسرحي عبد الكريم برشيد: تماماً..أحمد علي الزين: وبخاصة بالنسبة للمسرح ربما تكون ملحاحة أكثر باعتبار المسرح هو شكل مواجهة مباشرة مع الناس والجمهور, يعني هل كانت الحرية دائماً متوفرة بالشكل أو بالمقدار الكافية عندك للبوح لقول كل شيء؟المسرحي عبد الكريم برشيد: نعم ربما أخطر رقابة ليست هي الرقابة التي يمارسها الآخر.أحمد علي الزين: الرقابة التي تمارسها على نفسك..المسرحي عبد الكريم برشيد: تماماً هي الرقابة الذاتية هي الخطيرة جداً.أحمد علي الزين: وهذه موروثة.المسرحي عبد الكريم برشيد: تماماً, فأنا والحمد لله كتبت وقلت ما شئت, وآمنت بأن من مهمة الآخر أن يتولى أمره, أنا علي أن أكتب فأنا شاهد وأشاهد وأدوّن مشاهداتي, وهذه المشاهدات ينبغي أن تكون صادقة, وأجمل ما في الإبداع هو.. وأخطر ما في الإبداع هو الصدق, والمسرح هو مواجهة تواجه الناس..أحمد علي الزين: مكاشفة..المسرحي عبد الكريم برشيد: ومكاشفة, فيمكن أن تختبئ وراء أوراق وأن تقول للناس ما تشاء, ولكن أن تواجههم وأن تكذب عليهم, وهم شهود هذا الواقع..أحمد علي الزين: هذا مستحيل..المسرحي عبد الكريم برشيد: فهذا مستحيل في الواقع.أحمد علي الزين: وهل تضررت يعني من البوح من كتابة كل شيء؟
برشيد وابن الرومي مَنْ نَحَسَ مَنْ؟
المسرحي عبد الكريم برشيد: كثيراً كان هناك مسرحية ابن الرومي في "مدن الصفيح"..أحمد علي الزين: سجنت..المسرحي عبد الكريم برشيد: لأ أوقفت..أحمد علي الزين: أوقفت المسرحية..المسرحي عبد الكريم برشيد: وأُخرج الجمهور, وقدمنا المسرحية بدون جمهور سنة 1979, وكُتبت في جريدة العلم بعد يومين (ابن الرومي يُعتقل في الخميسات) فالمسرحية كذلك كان هناك مهرجان سينعقد في مدينة سلا, فالمحافظ ألغى المهرجان بسبب المسرحية, فقال كيف تُرفض في مدينة الخميسات وأقبلها في مدينتي؟ لدرجة أنني آمنت حقاً كأن ابن الرومي شخصية منحوسة..أحمد علي الزين: يعني حتى بعد ألف سنة أو أكثر..المسرحي عبد الكريم برشيد: حتى بعد ألف سنة تماماً, وعندما طُبعت ونُشرت في مجلة الآداب البيروتية سنة 1979 وهي تتحدث عن بغداد التقيت بالدكتور سهيل إدريس في مهرجان الشباب العربي في الرباط, فقال لي مسرحيتك سبَّبت لنا مشاكل مع الرقابة العراقية، فالآن أقولها بصدق الآن مع التغيير ومع التجديد ومع الذين رفعوا شعارات الحرية والديمقراطية, الآن وأعيش كبتاً وإقصاءً وإبعاداً وعقاباً لأنني أمارس حقي في أن أكتب عن الحقيقة التي أحياها.أحمد علي الزين: علماً بأنه كان إلك يعني مواقع إدارية في وزارة الثقافة يعني كنت مندوباً للوزارة في أكثر من بلد وفي أكثر من وقت..المسرحي عبد الكريم برشيد: تماماً..أحمد علي الزين: يعني لماذا هذا العقاب إنه يعني تُكافأ كمدير ناحية وتمنع من العرض؟المسرحي عبد الكريم برشيد: هذا كعمل إداري وأنا دائماً كنت أميّز بين أنا..أحمد علي الزين: الإدارية..المسرحي عبد الكريم برشيد: الموظف أؤدي عملاً، وبين آرائي.أحمد علي الزين: هل أضافت إليك تلك التجربة شيئاً يعني العمل الإداري؟ أم خسّرك؟المسرحي عبد الكريم برشيد: لم تضف إليّ شيئاً فأنا الوحيد، أقولها الوحيد من مندوبي وزارة الثقافة الذي لم يكن له بيت إداري، لم تكن له سيارة تابعة فـ..أحمد علي الزين: هذه رغبتك؟ أم يعني نوعاً من الحرمان؟المسرحي عبد الكريم برشيد: نوع من الحرمان، وكانت في نفس الوقت رغبة حتى لا أضطر في أي وقت ليقولوا لي هات مفاتيح السيارة وهات البيت وتفضل من غير مطرود.أحمد علي الزين: لقد بحثت عن اللغة الفردوسية فوجدت أن جان جاك روسو قد سبقني إلى ذلك، تماماً كما سبقني إلى الاحتفالية وإلى العيدية المسرحية، لقد بحث عن لغة بدون خطاب، كلام بدون جملة، بدون تركيب، بدون أجزاء، بدون قواعد نحوية، لغة ذات تدفق خالص، وعن هذا التدفق الخالص عشت حياتي أبحث، لقد آمنت بأن أصدق الكلمات والعبارات هي التي تتدفق من الوجدان، وهي التي تكون فيضاً نفسياً وذهنياً وروحياً.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى