ملتقى طلاب الفهد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

~الشـــخـــصـــيــــــة :~ لآصـحـ،ـــآبـ الثانيـــــة باكالوريـــــــا~

اذهب الى الأسفل

~الشـــخـــصـــيــــــة :~ لآصـحـ،ـــآبـ الثانيـــــة باكالوريـــــــا~ Empty ~الشـــخـــصـــيــــــة :~ لآصـحـ،ـــآبـ الثانيـــــة باكالوريـــــــا~

مُساهمة  dainty-guest السبت يناير 02, 2010 11:10 am

دلالات: الشخص والشخصية

عند استعراضنا لدلالات مفهوم الشخصية نعثر على نمطين من التعاريف: نمط أول تتخد فيه الشخصية معنى مجردا و عاما يجعلها خاصية كائن يكون شخصا اخلاقيا وقانونيا مسؤولا (كقولنا: لكل شخص الحق في ...)ومنه حديث القانونيين عن شخصية طبيعية أو معنوية؛ ونمط ثان يتخد فيه المفهوم معنى محسوسا يركز على خصوصية الفرد باعتبارها تنظيما فريدا لمجموعة من الوظائف الجسمية، النفسية والإجتماعية ويتجلى هذاالتنظيم من خلال اسلوب الفرد في الحياة و يرتبط بسيرته و تاريخه ( كقولنا شخصية عمرو او شخصية زيد مثلا )

ينتمي النمط الاول من التعاريف الى المجال الفلسفي وينزاح مفهوم الشخصية نحو مفهوم الشخص دلالة على الطابع التجريدي الكوني فكانط يرى "ان الشخص هو الذات التى يمكن ان تنسب اليها مسؤولية افعالها وهي قدرة الشخص على الوعي بما هو ثابت خلف الحالات المتغيرة لوجوده "؛ أما هيجل فيعتبر ان الشخصية لا تبدأ إلا حين تعي الذات نفسها لا كمجرد أنا محسوسة محددة كيفما اتفق و إنما باعتبارها أنا مجردة تجريدا خالصا".

أما النمط الثاني من تعاريف الشخصية فينتمي الى مجال العلوم الانسانية كما عبر عنه "البورت" في قوله: " الشخصية هي التنظيم الدينامي للانظمة السيكوفيزيولوجية التي تحدد تكيف الفرد بشكل أصيل مع محيطه". هنا تصبح الشخصية بناءا أو نموذجا نظريا وعلميا يسمح بفهم كل ما يتميز به شخص معين من خصائص؛ و يستنتج من تعريف البورت أيضا بأن الفرد عبارة عن أنظمة او أجهزة نفسية و فيزيولوجية متداخلة تسعى الى التكيف و التفاعل مع محيطها الطبيعي و الإجتماعي، وعليه ينبغي البحث عن سر تمايز شخصيات الافراد في تمايز أشكال انتظام و تكيف أنظمتهم السيكوفيزيولوجية مع المحيطين الطبيعي و الاجتماعي.

هناك اذن مقاربتان للشخصية: مقاربة فلسفية إن صح القول ومقاربة العلوم الإنسانية. لذا سنتساءل في مرحلة أولى عما يجعل الكائن البشري شخصا أي أكثر من مجرد عضوية حية وأكثر من مجرد ركام من الوظائف السيكوفيزيولوجية؟ مالذي يجعله كائنا أخلاقيا أخلاقيا ؟ وبعبارة أخرى كيف تتحدد شخصية الفرد من خلال نظام الشخص؟
غير أننا بهذه الأسئلة نكتفي بالبحث عن العام والمشترك بين البشر، والحال أن الفرد أيضا كائن "فريد" بتركيبته النفسية وتفاعلاته الإجتماعية والتي تتمظهر في سلوكاته أو مواقفه أو اختياراته، لذا سنتساءل في مرحلة ثانية : كيف يتحدد البناء النفسي والإجتماعي للشخصية ؟ أو ماهي العوامل السيكولوجية والسوسيوثقافية المساهمة في بناء وتكوين الشخصية؟
ولايخفى أن البحث عن هذه العوامل بالنسبة للعلوم الإنسانية إنما يعني البحث عن محددات موضوعية قابلة للدراسة والتحديد العلميين، وهنا يطرح السؤال: ألا يعني الحديث عن عوامل ومحددات مشكلة لنمط الشخصية نفيا لدور الشخص في بناء شخصيته واختفاؤه كوعي وإرادة وحرية؟

>

الشخص كجوهر للشخصية

قد نعثر في المتن الفلسفي عبر تاريخ الفلسفة على شذرات متناثرة هنا أو هناك حول الطباع والأمزجة والإنفعالات الإنسانية وعلاقة الفرد بالجماعة، بيد أن الذي استأثر بإهتمام الفلسفة كان هو البحث عما يجعل الكائن البشري أكثر من مجرد عضوية بيولوجية مستقلة: هكذا انصب الإهتمام على الماهية التي تخص الإنسان و الجوهر الذي يظل ثابتا رغم تغيرات الجسم وأحوال النفس وانفعالاتها. وفي هذا الإطار بندرج تمييز ابن سينا بين بين عنصر متغير ومتحلل هو الجسم وعنصر ثابت مستمر هو النفس وذلك في قوله: " تأمل أيها العاقل أنك اليوم في نفسك هو الذي كان موجودا جميع عمرك حتى إنك تتذكر كثيرا مما جرى من أحوالك، فأنت إذن ثابت مستمر لاشك في ذلك وبدنك وأجزاؤه ليس ثابتا مستمرا بل هو أبدا في التحلل والإنتقاص..." والواقع أن ابن سينا يشير هنا إلى ظاهرة "الوعي بالذات" التي تصاحب مختلف حالات الوجود البشري بحيث تمنح الفرد شعورا بهويته وأناه وبثباتها.ويتجلى هذا واضحا في شعور الفرد داخلياً وعبر حياته باستمرار وحدة شخصيته وهويتها وثباتها ضمن الظروف المتعددة التي تمر بها، كما يظهر بوضوح في وحدة الخبرة التي يمر بها في الحاضر واستمرار اتصالها مع الخبرة الماضية التي كان يمر بها. وهو نفس الوعي الذي اعتمدعليه ديكارت في " الكوجيطو" وخصوصا وعي الذات بفعل التفكير الذي تنجزه في لحظة الشك أي الوعي بالطبيعة المفكرة للذات التي تقابل عند ديكارت طبيعة الإمتداد المميزة للجسم.

ومن الجدير بالذكر أن الوعي بالذات على هذا النحو الأرقى ليس مقدرة غريزية او إشراقا فجائيا، بل هو مسلسل تدريجي بطيء يمر أولا عبر إدراك وحدة الجسم الذي ينفصل به الكائن عما عداه، وعبر العلاقة مع الغير.

والآن مالذي يمكن أن يستفاد من المقاربة الفلسفية للشخص ولجوهر الشخصية؟
يستفاد أولا أن الشخصية - قبل كل تحديد - هي ذات مفكرة واعية قوامها الأنا الذي يمثل جوهرها البسيط الثابت والمطلق، ويستفاد من جهة ثانية أن الإنسان كائن مسؤول أخلاقيا وقانونيا بسبب خاصية الوعي وماتستتبعه من إرادة، بحيث يقول هيغل: "الشخصية هي الذات التي يمكن أن تنسب إليها مسؤولية أفعالها". ويستفاد أخيرا مع كانط بأن الإنسان هو أكثر من مجرد معطى طبيعي، إنه ذات لعقل عملي أخلاقي يستمد منه كرامة أي قيمة داخلية مطلقة تتجاوز كل تقويم أو سعر. مادم هذا العقل ومقتضياته كونيا، فإن الأنسانية جمعاء تجثم بداخل كل فرد مما يستوجب معاملته كغاية لاكوسيلة والنظر إليه كما لو كان عينة تختزل الإنسانية جمعاء. ولعل هذه المعاني الأخيرة هي نفسها التي نجدها حاضرة بقوة في مختلف إعلانات ومواثيق حقوق الإنسان. كما أنها الأساس الفلسفس المعتمد عند وصف جرائم الحرب والإبادة بجرائم " ضد الإنسانية".

من الواضح أن المقاربة الفلسفية تركز على البعد العام المجرد والمشترك في الشخصية، بل في كل شخصية. وذلك لتأسيس نتاءج أنطلوجية وأخلاقية لاحقة. بيد أن هذه المقاربة لاتسمح لنا بأن نفهمسبب اختلاف وتنوع الشخصيات بتنوع الأفراد. لابد إذن من الإنفتاح على مقاربة العلوم الإنسانية.

العوامل النفسية والإجتماعية المساهمة في بناء وتكوين الشخصية

بقليل من الإختزال يمكن القول أن الشخصية أنظمة سيكوفيزيولوجية ذات وظائف وتمظهرات مختلفة تدخل في مجال دراسة علم النفس، وبما أن هذه الأنظمة تشكل كيانا اجتماعيا مدعوا للتفاعل مع المحيط الإجتماعي فإنها تغدو من جهة ثانية موضوعا للعلوم ا لإجتماعية

البناء والتكوين النفسي للشخصية:

لاشك أن للإنسان حياة نفسية داخلية تعبر عن نفسها في جملة من الظواهر الحسية-الحركية، الإنفعالية والمعرفية. لكن ماالسبيل لدراسة هذا البعد النفسي؟ أين يمكن العثور عليه؟

على هذا السؤال تجيب المدرسة الشعورية بأن الشعور هو الساحة التي تجري فيها وقائع الحياة النفسية، وعليه فكل الخبرات النفسية هي بالتعريف خبرات شعورية يطالها الوعي من خلال فعل الإستبطان. غير أن المدرسة السلوكية الحريصة على تحديد تحديد موضوع لعل النفس يكون قابلا للدراسة والوصف والقياس الدقيق استبعدت الشعور نظرا لطابعه الغامض غير الدقيق واستعاضت عنه بمفهوم السلوك باعتباره مجموعة ردود الأفعال المتسقة على المثيرات الخارجية، وما الشخصية سوى نتاجا نهائيا لأنظمة عادات الفرد التي يمكن اكتشافها عبر ملاحظات تمتد لفترات طويلة نسبيا. ولقد استلهم السلوكيون أعمال علماء اهتموا بدراسة الأنشطة العصبية والنفسية للحيوان مثل بافلوف، طورنديك وموران، ويفهم من ذلك أن السلوكية تميل إلى اعتبار الإنسان مجرد نظام طبيعي خاضع لقوانين يمكن اكتشافها مما يسمح بالتنبؤ بسلوك الإنسان وتوجيهه ومن ثم توجيه شخصيته مثلما أعلن ذلك واطسون. وبالفعل فقد حققت السلوكات بعض النجاح في مجال التعليم والتربية وفي مجال علاج بعض الأمراض عن طريق تقنيات مثل : فصل الإشراط، تقنية التنفير، الكبح المتكافئ وغيرها...

بيد أن مدرسة التحليل النفسي هي التي سلطت أضواءا كاشفة جديدة على البعد النفسي النفسي للشخصية وأثارت أكبر قدر من الجدل والإهتمام في أوساط علم النفس خاصة والفلسفة عامة، وذلك لأن مؤسسها سغموند فرويد ( - ) قد شدد على مفهوم اللاشعور عوض السلوك أو الشعور وربط التكوين النفسي للشخصية بمرحلة الطفولة ونظر إلى أنشطة الجهاز النفسي كتصريف لطاقة الليبيدو.

فإذا كان علم النفس قبل-ال فرويدي يطابق بين النفسي والشعوري فأن التحليل النفسي لايرى في الشعوري سوى حيز ضئيل من النفسي، في حين يحتل اللاشعور القسم الأعظم من الحياة النفسية بما يضمه من خبرات نفسية ورغبات وذكريات تؤثر في الأداء النفسي للشخصية دون وعي الشخص أو علمه. وقد استدل فرويد على وجود اللاشعورمن خلال ممارسته الإكلينيكية وخصوصا علاجه لبعض الأمراض العصابية كالهيستيريا والوسواس ومن خلال تحليل الأحلام التي وصفها بالطريق الملكي إلى اللاشعور ومن خلال دراسته لفلتات اللسان وزلات القلم والنكات... وفي علاقة مع اللاشعور أكد فرويد على وجود طاقة محركة للجهاز النفسي سماها بالليبيدو تضم الغرائز والدوافع الحيوية وعلى رأسها الدافع الجنسي . وما أنشطة الإنسان المختلفة وحضارته سوى تصريف مباشر أو غير مباشر لهذه الطاقة كما يحدث مثلا في عملية التسامي من خلال الإبداع الفني أو التنافس الرياضي...

من جهة ثالثة ربط فرويد بين شخصية الفرد وتاريخه، فاعتبر شخصية الراشد خلاصة ونتيجة لإسهامات مراحل النمو النفسي الجنسي التي يجتازها الفرد خلال طفولته، وهي المرحلة الفمية، الشرجية، الجنسية، مرحلة الكمون وأخيرا المرحلة التناسلية. وهكذا فالكيفية التي عاش بها الفرد هذه المراحل وخصوصا عقدة أوديب، والكيفية التي انتقل بها من مرحلة إلى أخرى وكذا طبيعة الإشباعات والإحباطات التي تلقى... كل ذلك ينعكس على البناء ا النفسي لشخصية الراشد ويفسر إلى حد كبير الإختلالات والإضطرابات النفسية التي قد تلحقها. وبذلك تصح قولة وود وورث: " الطفل أبو الرجل".

على ضوء هذه المعطيات والمقدمات، يمكن أن نفهم البنية الثلاثية للجهاز النفسي كما عرضها فرويد ضمن ما يعرف بالنظرية الثانية : الهو، الأنا والأنا الأعلى.

يمثل الهو الشكل الأصلي للجهاز النفسي، وأقدم مناطقه، يشير إلى كل ماهو فطري غريزي لآشخصي لاشعوري وطبيعي في الإنسان أي مجموع القوى الغريزية المرتبطة بالجسم وبالأخص الدوافع الجنسية والعدوانية مما يجعله مستودع الطاقة الليبيدية. ولاتخضع دوافع الهو إلا لمبدأ اللذة والألم دون مبدأ الواقع أو المنطق، مما يعرضه للإصطدام بالواقع . ومن هذا الإصطدام تنشق منطقة جديدة هي " الأنا" بفعل عمليات الإدراك والشعور والإحباط. معلى عكس الهو، فأغلب نشاط الأنا شعوري خاضع لمبدأ الواقع ويتمظهر ذلك في التفكير الموضوعي الكلامي وعمليات الإدراك الحسي الداخلي والخارجي. ولهذا السبب يعتبر الأنا وسيطا بين الهو والعالم الخارجي ومن وظائفه الدفاع عن الشخص وضمان سلامته وتوافقه مع البيئة وتنظيم العمليات العقلية، حل الصراعات بين الرغبات المتعارضة، التأجيل بإقامة مسافة زمنية فاصلة بين الدافع والفعل وبلورة التفكير أثناء ذلك... وتنضاف إلى هذه الللائحة الطويلة أنشطة لاشعورية كالكبت وترميز الأحلام. على أن الوظيفة الأساسية للأنا هي الوظيفة التنسيقية للشخصية التي تفسر ظهور الفرد بمظهر الشخصية الواحدة المنسجمة رغم تعدد وتعارض الدوافع والعناصر الداخلية.

ونظرا لطول فترة اعتماد الطفل أو صغير الإنسان على والديه، فإنه يخضع لمسلسل التربية والتهذيب المتمثل في لائحة طويلة من المحرمات الإجتماعية التي تعكس القيم الأخلاقية والتقاليد العائلية. وبذلك تظهر منطقة ثالثة هي الأنا الأعلى نتيجة إعتناق قوى القمع وتقمص الصورة المثالية لممارسيه. ويمكن القول بأن الأنا الأعلى قوة نفسية لاشعورية تستبطن صورة الأب وسلطته لتمارس دور الرقيب الداخلي أو سفير الأخلاق. ويلاحظ نشاطه عند بداية ظهور إنفعالات الشعور بالإثم وملاحظة الذات أو حتى المازوشية النفسية والسوداء كما في الحالات المرضية.

والخلاصة هي أن الشخصية وبناؤها النفسي ترجمة لعلاقات القوى السائدة بين هذه العناصر الثلاث وأنعكاس للكيفية التي تتوزع بها الطاقة الليبيدية بينها، ولدرجة الصراع والتناقض بين دوافع الهو الجامحة وضوبط الأنا الأعلى الصارمة ومتطلبات الواقع، بحيث يمكن تأويل الحالات المرضية والسوية بناءا على هذه العلاقات الدينامية.

وهكذا، ففتوحات التحليل النفسي وكشوفاته بالغة الأهمية. ولكن ذلك لايمنع من وجود انتقادات صادرة أحيانا من بعض الفرويديين أنفسهم أمثال إيريك فروم الذي لاحظ بأن فريد ينظر إلى الشخصية كنظام مغلق مزود بدوافع، يتشكل من إشباعاتها وإحباطاتها النمط النهائي للشخصية، وكأن الإنسان مكتف بذاته أولا ومحتاج إلى الآخرين ثانيا، في أنه حسب فروم كائن اجتماعي في المقام الأول. ولكن كيف تظهر إجتماعية الإنسان؟ أي ماهو دور العوامل الإجتماعية في بناء الشخصية؟

2- البناء الإجتماعي للشخصية:

# لقد لوحظ مرارا بأن أفرادا مختلفين من حيث المكون النفسي ينتمون إلى نفس المجتمع أو الجماعة يبدون أحيانا يبدون إستجابات متماثلة ويتميزون بأنماط تفكير وإحساس وتصرف موحدة ومشتركة، مما جعل علماء الإجتماع والأنثربولوجيا أمثال رالف لينتون يعزونها إلى عوامل إجتماعية ثقافية. هناك إدن مكون إجتماعي ثقافي في الشخصية يتخد مظهرين: - الشخصية الأساسية: وهي تلك الإستجابات وأنماط التفكير والسلوك والإحساس المستمدة من ثقافة المجتمع ككل.وفي هذا الصدد يمكن الحديث مثلا عن شخصية أساسية مغربية أو هندية... وتتحدد هذه الإستجابات تبعا لعوامل ثقافية، دينية، تاريخية ولغوية ولعوامل طبيعية كالمناخ والجغرافيا.
# - الشخصية الوظيفية: من الممكن تقسيم المجتمع الواحد إلى جماعات تحتية: الرجال/النساء، البدو/الحضر، التجار/السائقون...وكل جماعة من هذه الجماعات تزود أفرادها بإستجابات إضافية نسميها الشخصية الوظيفية التي تعكس وظيفة الفرد أو دوره الإجتماعي أو إنتماءه الطبقي أو جنسه...

بيد أن هاتين الشخصيتين لاتشيران في الواقع إلى أنماط جامدة أو حاضرة بنفس القوة لدى جميع الأفراد وفي كل المجتمعات، إذ يبدو أنهما يحضران بقوة في المجتمعات التقليدية حيث قوة الضمير الجمعي، ويضعفان في المجتمعات الصناعية المفتوحة حيث تبرز الفردانية وحيث يخضع المجتمع والفرد لمثاقفة مستمرة ولتأثيرات متنوعة المصادر. ومن جهة أخرى فالفرد مطالب على الدوام بتغيير وتعديل إستجابات شخصيته الوظيفية لتلائم التغير الحاصل في دوره ووظيفته الإجتماعية.

ويطلق علماء الإجتماع إسم التنشئة الإجتماعية على السيرورة أو القناة التي يتم من خلالها اكتساب وتلقي الأنماط والنماذج الإجتماعية من أجل دمجها في بنية الشخصية، وهي سيرورة تطورية تستمر طوال حياة الفرد. كما لوحظ بأن التنشئة الإجتماعية تترافق بعمليتين: الإستدماج حيث تنصهر الأنماط الإجتماعية العامة وتمتزج بخصوصيات الفرد لتشكل وحدة مندمجة، ثم عملية التبطين أي تلاشي إحساس الفرد بغرابة الأنماط الملقنة له وتلاشي أو ضعف إحساسه بثقل الرقابة الإجتماعية والسلطة التي صاحبت عملية الإكتساب في البداية، فرغم أن الظواهر الإجتماعية كما يقول دوركايم تتميز بالخارجية والقسر فإن الفرد لا يشعر بأنه يذعن في كل آن لسلطة خارجية. وتتجلى الغاية النهائية لعملية التنشئة الإجتماعية في إنتاج أفراد متكيفين مع وسطهم الإجتماعي بحيث يتعرفون على "أناهم" في "النحن" المكون للجماعة.

ويكاد مفعول التنشئة الإجتماعية يطال جميع مكونات الشخصية: بدءا بالمكون الحسي الحركي أي الأذواق والهيئات الجسمية، مرورا بالمستوى الإنفعالي كالعواطف وأشكال وإمكانيات التعبير عنها، وإتنهاءا بالمستوى المعرفي أي المعارف وطرق التفكير...ويحق للمرء أن يتساءل في الأخيرعما تبقى للشخص من دور في بناء شخصيته؟

الشخصية بين الحتمية والحرية

لقد كشفت العلوم الإنسانبة عن وجود جملة من الإشراطات النفسية والإجتماعية والتاريخية... يخضع لها البناء والتكوين النفسي للشخصية بعيدا عن إرادة الشخص أو وعيه، مما يضع حرية الشخص ودوره في بناء شخصيته موضع تساؤل وتشكيك، بيد أن أطروحات فلسفية عديدة ترفض مثل هذه الخلاصات المعلنة لموت الإنسان واختفائه، بدعوى خصوصية الظاهرة الإنسانية وطابع الوعي المميز للوجود الإنساني.

1- خضوع الشخصية لإشراطات وحتميات تتجاوز إرادة الشخص ووعيه:

يعتقد كل إنسان أنه السيد في مملكة نفسه، وأنه من اختار بمحض إرادته بعض ملامح شخصيته، بيد أن العلوم الإنسانية تكشف خلاف ذلك: فالشخصية في علم النفس السلوكي لاتعدو أن تكون خلاصة ومحصلة لإستجابات ترسخت كردود فعل على مثيرات خارجية تعمل على تشجيع أو كبح بنيات نفسية معينة؛ أما التحليل النفسي، فيرى البناء النفسي للشخصية كنتيجة حتمية لخبرات مرحلة الطفولة، كما أن الكثير من الأنشطة الإنسانية تحركها دوافع الهو اللاشعورية ذات الطبيعة الجنسية أو العدوانية. هذا الهو الذي قال عنه "نيتشه": وراء أفكارك وشعورك يختفي سيد مجهول يريك السبيل، إسمه الهو. في جسمك يسكن، بل هو جسمك، وصوابه أصوب من صواب حكمتك"، بل إن بول هودار يذهب إلى حد القول بأن: " كلام الإنسان كلام مهموس له به من طرف الهو، الذي يعبر عن نفسه في الإنسان عندما يحاول الإنسان أن يعبر عن ذاته !!"

أما بالنسبة لعلماء الإجتماع والأنثربولوجيا، فإن طبقات مهمة في الشخصية لاتعدو أن تكون سوى انعكاس للشخصية الأساسية للمجتمع أو الشخصية الوظيفية لجماعة الإنتماء. وإذا كانت التنشئة الإجتماعية تزود الفرد بعناصر من ثقافة المجتمع، فأن هذه الثقافة حسب التحليل الماركسي تعكس البنية التحتية المستقلة عن وعي الذوات: لأن الوجود المادي هو الذي يحدد الوعي لاالعكس. ويلاحظ غي روشيه من جهة أخرى بأن " معظم رغبات الإنسان وحاجاته وآماله لاتتكون تلقائيا أو تبعا لنوع من الضرورة اليبولوجية، بل إنها تتحدد بحسب التشجيع الذي تلقاه والمكافآت التي تقدم لها ومن ثم تنقش في الشخصية " ، وعلى هذا الأساس : فكلما تكلم الفرد أو حكم ، فالمجتمع هو الذي يتكلم أو يحكم من خلاله حسب عبارة دوركايم.

حاصل الكلام هو اختفاء الإنسان أو موته كما أعلنت البنيوية، لأن البنيات النفسية الإجتماعية اللغوية... هي التي تفعل وليس الذات أو الفرد. هل يمكن بعد كل هذا الحديث عن الإنسان كما نتحدث عن ذات أي عن كائن قادر على القيام بعمل إرادي؟ هل للسؤال "من أنا " بعد من قيمة؟ !!

2- دور الشخص في بناء شخصيته:

رغم كل ماذكر فإن الإنسان لازال يقنع نفسه بأن له شيئا يفعله، شيئا يبقى عليه أن يفعله. وتحاول المقاربة الفلسفية للشخصية أن تعثر على مكامن هذه الحرية داخل الشخصية من خلال التركيز على نظام الشخص باعتباره ذاتا ووعيا. وفي هذا الإطار يمكن القول بأن وعي الإنسان بالحتميات الشارطة يمثل خطوة أولى على طريق التحرر من تأثيرها وإشراطها المطلق، بل إن مذاهبا فلسفية كثيرة وعلى رأسها الوجودية تؤسس على خاصية الوعي " أسبقية الوجود على الماهية "، لأن الإنسان ليس وجودا في ذاته كالأشياء، بل وجودا لذاته، مما يجعل وجوده مركبا لانهائيا من الإختيارات والإمكانيات، فعلى عكس الطاولة التي أو الشبل اللذان يتحدد نمط وجودهما بشكل خطي انطلاقا من ماهيتهما القبلية، فإن الإنسان مفتقر إلى مثل هذه الماهية التي قد تسمح بتعريفه أو الحديث عن شخصيته على نحو قبلي مسبق. صحيح أن الفرد يحيا على الدوام لا في المطلق، بل في وضعية محددة اجتماعيا وتاريخيا، لكن ردود أفعاله واختياراته لاتحددها هذه الشروط الموضوعية وحدها، بل وأيضا المعنى الذاتي الذي يفهم بموجبه هذه الشروط والأوضاع مما يفسح مجالا واسعا للإحتمال والحرية. من هنا نفهم تصريح سارتر بأن الإنسان مشروع في سماء الممكنات، محكوم عليه بأن يكون حرا، وبان الإنسان ليس شيئا آخر غير مايصنع بتفسه.

ونستطيع استثمار أطروحة سرتر التي أتينا على ذكرها للقول بأن الإنسان ليس آلة إلكترونية، وأن نفس الأسباب لاتفضي حتما إلى نفس النتائج على مستوى بناء الشخصية. ولنوضح ذلك بنموذج من العلوم الإنسانية ذاتها: فقد اعتقد فرويد سنة 1920 أن العدوانية معطى بشري حتمي نظرا لوجود دوافع غريزية أولية تتمثل في الرغبة في تدمير الذات والتي يتم تحويلها نحو العالم الخارجي والآخرين، لكن جماعة يال أثبتت في بحثها المنشور عام 1959 بأن هذه العدوانية غير متأصلة في معطياتنا الغريزية، بل هي رد فعل لاحق تجاه الحرمان بحيث أن قوة الحرمان أو ضعفه تنعكس على ضعف أو قوة العدوانية، ثم مالبث "كورت لوين " أن أظهر لاحقا بأن الحرمان لايفضي دوما إلى العدوانية، بل قد يولد الخضوع والإمتثال.

وهكذا، فنحن أبعد مانكون عن الخطاطة التبسيطية التي تجعل الشخصية والظاهرة الإنسانية عموما خاضعة على غرار الظواهر الطبيعية لمقولة الحتمية، وماذلك إلا لأن الشخصية كما يقول " برغسون" بناء مستمر وتعاقب لاينقطع لحالات نفسية فريدة لاتقبل التكرار، والحال أن الحتمية ومن ثم التنبؤ لايصدقان إلا في حالة الظواهر المتشابهة القابلة للتكرار. وماأشبه العلاقة الفريدة التي تجمع الشخصية بالفعل الصادر عنها بعلاقة المبدع بعمله الفني.

إذا كان لابد من خلاصة تجمع أطراف موضوع متشبع كموضوع الشخصية، فسنقول بأن الشخصية الإنسانية حصيلة تفاعل بين عوامل باطنية وأخرى متعلقة بالمحيط الخارجي، إنها ذلك الشكل الخاص من التنظيم الذي تخضع له البنيات الجسمية، النفسية والإجتماعية. صحيح أن هذا التنظيم يخضع لعوامل ومحددات موضوعية كثيرة، لكن ذلك لايلغي دور الشخص في بناء شخصيته. وإذا ما بدا موضوع الشخصية إشكاليا متعدد الأبعاد، فماذلك إلا لأن دراسة الشخصية ليست إلا إسما آخر لدراسة الإنسان بكل تعقده وغموضه.
dainty-guest
dainty-guest

عدد المساهمات : 79
نقاط : 240
تاريخ التسجيل : 31/12/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى